تعود تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة مع العملات الرقمية للبنك المركزي إلى عام 2019 عندما قامت الإمارات بتجربة مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي للشركات مع البنك المركزي السعودي - حتى قبل أن يعمل بنكها المركزي على مشروع mBridge.
هناك 112 دولة تستكشف العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) بطريقة أو بأخرى، وقد أطلقت 11 دولة من بينها عملاتها الرقمية الخاصة، بينما يوجد 15 قيد التجريب و26 قيد التطوير و46 قيد البحث؛ ويبدو أن هذا الاتجاه قد وصل إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث يتعاون البنك المركزي للدولة مع مختلف الوكالات الدولية.
في عام 2019، قام البنك المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة (CBUAE) بتجربة مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي للشركات مع البنك المركزي السعودي باسم "عابر ABER"؛ وقد نُشر تقرير نهائي في عام 2020 أظهر أن "تقنية السجلات الموزعة ستمكّن البنوك المركزية من تطوير أنظمة المدفوعات على المستويين المحلي وعبر الحدود."
بعد ذلك نفذ البنك المركزي الإماراتي - بالتعاون مع مركز هونغ كونغ للابتكار التابع لبنك التسويات الدولية (BIS) والبنوك المركزية في هونغ كونغ وتايلاند والصين - مشروع mBridge، وهي مبادرة مشتركة لتجربة المدفوعات عبر الحدود باستخدام منصة مشتركة مصممة خصيصًا تستند إلى تقنية السجلات الموزعة (DLT) والتي يمكن من خلالها للعديد من البنوك المركزية إصدار وتبادل العملات الرقمية للبنوك المركزية الخاصة بها.
وقد علّق معالي السيد خالد محمد بلعمه، محافظ المصرف المركزي الإماراتي، على التجربة الناجحة لبرنامج mBridge قائلًا: "سنواصل وضع إطار الحوكمة الصحيح للعملات الرقمية للبنوك المركزية القابلة للتشغيل البيني لتقديم فوائد ملموسة للشركات والمستهلكين في دولة الإمارات العربية المتحدة."
ويمكن أن تشير الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي الإماراتي وعمله بشأن العملة الرقمية إلى أنه قد يتم إصدار عملة رقمية للبنك المركزي في المستقبل القريب، لكن مدى هذا القرب لا يزال غير معروف. إذ سيعتمد إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي في دولة الإمارات العربية المتحدة على عوامل مختلفة، بما في ذلك قدرة تلك العملة على حل مشكلات الخصوصية وإمكانية التشغيل البيني بين شبكات بلوكتشين وكذلك المخاوف النقدية الاقتصادية.
هل ستطلق دولة الإمارات عملة رقمية للبنك المركزي؟
صرح ستانيسلاف مادورسكي، نائب الرئيس الأول لاستراتيجية بلوكتشين في WadzPay، لـ Cointelegraph MENA أنه مع التكلفة العالية ومدى تعقيد تنفيذ المشاريع التجريبية للعملة الرقمية للبنك المركزي، فإنه يتوقع أن يُطلق البنك المركزي الإماراتي عملة رقمية خاصة به.
"لقد خطت الإمارات العربية المتحدة خطوات واسعة نحو تطوير مجتمع غير نقدي وهي من بين أعلى 10 مجتمعات غير نقدية بشكل كبير في العالم تطمح إلى أن تصبح غير نقدية بالكامل خلال هذا العقد."
كذلك رأى رئيس التكنولوجيا في IBM MENA، أنتوني بتلر، وهو خبير في بلوكتشين والأصول الرقمية، اهتمامًا متجددًا بالعملات الرقمية للبنوك المركزية في المنطقة على مدار السنوات القليلة الماضية، ويأتي مشروع mBridge كنتيجة لذلك.
يأتي ذلك مع إظهار الحكومات في جميع أنحاء العالم لاهتمام متجدد بإطلاق مشاريع العملة الرقمية للبنك المركزي. ففي ديسمبر، وقّعت باكستان قانونين جديدين لتسريع إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي؛ كما أعلن البنك المركزي الإسباني عن خططه لبدء مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي للشركات وطلب من المؤسسات المالية ومقدمي التكنولوجيا تقديم مقترحات للمبادرة.
التحديات التي تواجه إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي في الإمارات العربية المتحدة
يؤكد كل من بتلر ومادورسكي وجود بعض التحديات التي تنتظر البنك المركزي الإماراتي والبنوك المركزية الأخرى على مستوى العالم في سعيها لإطلاق عملات البنوك المركزية الرقمية.
إذ يرى مادورسكي أنه في حين أن عملات البنوك المركزية الرقمية تتمتع بمزايا لأنها صادرة عن البنوك المركزية، والتي لها تأثير أكبر على السياسة النقدية ويمكن أن تقود التغييرات التنظيمية، فإن التحدي الأكبر يكم في القبول عبر الحدود؛ حيث يوضح أنه "قد لا تتوافق شبكة بلوكتشين في كل بلد مع الآخر، لذا فإن قابلية التشغيل البيني هي مشكلة نحاول في WadzPay حلها."
بينما يرى بتلر الكثير من الاحتكاك في إطلاق العملة الرقمية للبنك المركزي للأفراد (rCBDCs)، وعلى الأخص التحديات التقنية والاقتصادية؛ ويوضح أنه إذا كانت عملات البنوك المركزية الرقمية ستحل محل النقود، فستحتاج إلى التمتع بالخصوصية التي يوفرها النقد.
ويقول بتلر: "لا يكون هذا الأمر مهمًا فقط داخل حدود البلد، ولكن أيضًا يتعلق بالمدفوعات عبر الحدود"، مضيفًا أنه "كان هناك الكثير من الدراسة في تصميم عملة ABER الرقمية للبنك المركزي بين الإمارات والسعودية لهذه النقطة بالذات لأن الدول الأخرى يمكن أن يكون لديها رؤية مختلفة لمعاملات الأطراف المقابلة."
كما يشير أيضًا إلى وجود عقبات في تجاوز "الحدود الصفرية" ولإدخال أسعار فائدة سلبية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد بتلر أن هناك أيضًا آثار هيكلية للعملة الرقمية للبنك المركزي للأفراد لأنه إذا كان لدى عامة الناس إمكانية الوصول إلى أموال البنك المركزي، فلن يعودوا بحاجة للعمل مع القطاع المصرفي التجاري.
ويؤكد أنه "إذا تم استبدال النقود بالعملة الرقمية للبنك المركزي للأفراد، فهناك أسئلة حول كيفية ضمان القدرة على أداء المدفوعات في وضع عدم الاتصال عندما يكون شخص ما غير متصل بالشبكة."
مستقبلٌ مختلط
من الممكن أن يقوم البنك المركزي الإماراتي بإصدار عملات مستقرة وعملة رقمية للبنك المركزي، إذ يعتقد بتلر أن العديد من البلدان تستكشف الجوانب المختلفة للعملة الرقمية للبنك المركزي مثل العملات للأفراد والعملات المستقرة. حيث قال إن هذه الأصول تم توفيرها من قبل قطاع البنوك التجارية، ويوضح قائلًا إن "ذلك سيؤدي إلى التخفيف من بعض المخاطر المعروفة التي تواجه عملات البنوك المركزية الرقمية."
كذلك يؤكد مادورسكي أن البنوك المركزية، بما في ذلك في هونغ كونغ، تبحث في نموذج مختلط يتضمن كلًا من العملات المستقرة والعملات الرقمية للبنوك المركزية. ويذكر أن "النموذج المختلط يسمح بسهولة الحصول على العملات الرقمية محليًا وخارجيًا، حيث إن العملات المستقرة متاحة بسهولة في العديد من البورصات العالمية، وهذا النموذج ممكن بالتأكيد في الإمارات العربية المتحدة".
يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تحذو حذو سنغافورة وتطلق شيئًا مشابهًا لـ Ubin، الذي يستكشف استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية في معاملات العملات عبر الحدود، أو بنك اليابان، الذي يطرح برنامجًا تجريبيًا لمشروع العملة الرقمية للبنك المركزي الخاصة به لثلاثة بنوك يابانية كبرى في ربيع 2023، أو حتى الهند.
ولكن من بين البنوك المركزية التي جربت العملات الرقمية للبنوك المركزية، يتصدر بنك الصين الشعبي السباق. حيث سيقوم البنك بتوسيع نطاق نشر المحافظ الرقمية لعملته الرقمية لليوان الصيني في العديد من المقاطعات المتقدمة بحلول نهاية عام 2022؛ وقد سجل بالفعل 13.9 مليار دولار في المعاملات الرقمية باليوان الصيني و260 مليون عملية تنزيل للتطبيق.
مهما كانت حالة الاستخدام، يبدو أن البنك المركزي الإماراتي هو أحد أكثر البنوك المركزية الواعدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عندما يتعلق الأمر بإطلاق عملة رقمية لبنك مركزي، تليه المملكة العربية السعودية، التي عينت مؤخرًا قائدًا لبرنامج الأصول الافتراضية والعملة الرقمية للبنك المركزي.
وفي حين أنه لا يزال من غير الواضح متى سيحدث الأمر ونوع العملة الرقمية للبنك المركزي التي سيتم إطلاقها، سيتعين على الإمارات العربية المتحدة حتمًا احتضان عملات البنوك المركزية الرقمية في جهودها لبناء اقتصاد العملات المشفرة الخاص بها.